القصة

جدارية الأم بقلم الكاتب حركاتي لعمامرة

كانت قريتنا الهادئة على ضفة الوادي الذي يميزه الجفاف الدائم إلامن سيول نادرة ،
تملأ جنباته ازهارالدفلى وشجيرات الحنضل والحرمل وبعيدا…بعيدا تشاهد اشجارالسدر ونبقها الطيب اللًذيذ بجانب عين يسميها العامة عين بنت شهيلي،كنت ألتقي بها عندما تقصد الوادي لجمع بقاياحطب ليتخذ للطهي نارا،بينمانارقلبي كانت متقدة
لتطفؤهاحنان برهة من الزمن ،كانت بشعرها الغجري ولباسها الريفي وسذاجة الانثى التي تنقاد بيسر إلا ان قلبي كانت قدملكته منذ الطفولة ،فكنا قلبين سعيدين نتقاسم قطعة خبز الشعير وكأس اللبن الذي كانت تحضره خلسة ،كنت اعشقها حتى الثمالة،
وكانت تبادلني نفس الشعور ،كانت لطيبتها وكنت لطيبتي كأننا جسد واحد تجلت قدرة الله فينا حباوكرامة..
تلك هي اول وآخر إمراة عرفت،ومن خلالها
كل النساء ،نمارس لعبة الكريدة وننتشي برائحة الغدير ونجري خلف الفراش ننتقل هنا وهناك …هي أسعد اللًحظات البريئة عشناها معا …ولكن عندما كبرنا كبر معنا هم الأيام الحبلى بالمفاجآت ، وأنا يتيم لا عائل لي منذ ان فتحت عيناي عليها ، كانت تحزن لغيابي الذي كنت فيه امارس دور العامل على مسرح الحياة …
وتقدم الى خطبتها ثري وثان وثالث ،لكنها سئمت من إنتظار طيف ملاك ابيض اللًون على حصان سحري ،لكنني كنت عاجزا عن شراء الحصان وعن المجيء وكان كل شيء مؤجل .. إلى متى؟: قالت هي فأجبت :الى حين !! وعلامات التعجب كانت بادية على وجوه الحاضرين ممن كانوا يسهرون امام جدارية عملاقة هي جدارية قريتي الوحيدة تقع بجانب المسجد العتيق ..كان عناصر المحافظة السياسية يقدمون الى قريتنا ليستغلونها لبث افلام صامتة حينا واخرى ناطقة وكنا نستمتع بها لأنه اول عهد لنا بالسينما…كان عمي فرحات الشانبيط ببحته الجميلة يطالبنا بالسكوت وكان ببي( تصغير مبروك) بغليونه يتأفف من النسوة اللًواتي كن لايسكتن ولكن والحق يقال كلما ظهرت صور المجاهدين او صورة الرئيس الراحل بومدين ، إنطلقت منهن زغردة مابعدها زغردة أعقبها الحاج باش بوابل من طلقات البارود من بندقيته التي يستعملها عادة للصيد .
كانت قريتنا تحتفي بجو كرنفالي منقطع النظير وحينما يحل فصل الصيف تبدا
الوفود في القدوم لحضور اكبر كرنفال كانت تحضر له الفرق الفلكلورية بحارة مرزوق وكان مهرجانا يدوم لأيام ، كنت مع حنان نتباهى بملابسنا الجميلة وكانت اكثر سعادة منى إلا ان حرقة اللًقاء كانت تحز في نفسها ونفسي …ظللنا نقاوم وضعنا ، ونحن بين الديوان والجدار ولقاءات حجرة الرومي وعين بنت شهيلي نراوح مكاننا …
مرت السنون سرعى ،وفقدت قريتي اعز ابنائها وخيرتهم إبتداء من مسعود لمبريطة الى جلول اشهر عازف للمزود على الإطلاق اما انا وحنان فقد صرنا اجمل عروسين ستزفهما القرية في جو كئيب حزين لفقدان سيد الطرب ومر عرسنا في صمت لم تدق فيه الطبول وكانت سماء قريتي حزينة تكاد تذرف دموعها على الجدارية التي ألهمتنا السعادة لتستحيل جدارية للألم ، ظفرت اخيرا بحنان وظفرت بسعادة بعد عسر شديد لأجد قريتي قدهجرت جدار السعادة ليصبح في كل بيت تلفاز وثلاجة وغسالة ولتودع قريتي جدارية الألم الى ألم الحياة اما ازهار الدفلى فقد غابت بوادينا لتترك مكانها لأكياس بلاستيكية وبقايا قوارير الخمر والجعة و بقايا حماقات الزائرين ليلا …تأملت مليا امامي وخلفي وقلت لحنان ماذا تتمنين :
فقالت : آه …لوعادت تللك السنون لأوقفت العقارب كي لاتسارع الزمن اللًعين وتبقى الفرجة والفرحة في قريتي ولكن ولات ولن ترجع ولو بعد حين.. فقلت في نفسي : إييييه تلك الأيام وآه …! وآه…!
ورحت ازور ذاك الجدار جدار الحنين ، لأجد الجدار قد صار حطاما وكومة طين …

الإدارة

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى