إشراقات أدبيةالقصة

عينٌ للبومةِ … وأُخرى ليست لي !….للكاتبة عهود عدنان نايلة

كلّما حاولتُ الهروبَ عن هذا الموروث الذي لا أعرفُ من يسجله باسمي على اختلاف الهويات التي أحملها ، أراه يلتصق بي كظلِّ سحابةٍ يتتبعني كقرين سوءٍ، يحاولُ اختراق نكهةِ البنِّ المحترقةِ التي تُثملني وتخبّئني فيها كلما استطاعت إليَّ سبيلا … أحاولُ الابتعادَ الإبحارَ النجاةَ الهلاكَ في أيّ عينٍ لا ترعبني في منامي، فهو لا يحتملُ المزيد ! و لم يعد بي طاقةٌ عليهما معًا !
ولكن ماذا لو التقينا على قارعةِ لونٍ آخرَ واتفقنا ألا نلتقي بعدها ؟ ماذا لوكانَ هذا الأصفرُ النّساريُّ يدعُ تصّحّرَ تفاؤلهِ بعيدًا عنّي ويحملني إلى جناحِ حمامةٍ بيضاءَ مثلا؟ سأسرج لكِ من حكايات العشّاق شالاً ومن تبغِ المغتربينَ جديلةَ حنين ومن دموعِ الأمهات اللّوائي ثكلنَ أحلامهنَّ عندَ رؤيةِ وجهكِ الجميل بحرَ قصيدةٍ لم تخلق لسواكِ ! ماذا لو انصرفتِ عنّي وتركتني ألهو بشيءٍ عاديٍّ .. كرةٌ .. أرجيلةٌ … روايةٌ عالميّةٌ .. آخر أفلام الآكشن والمافيا واللّصوص..ابني الصّغير يناديني فلا أخشى أن تراودني صورتك وأنا أهمّ باحتضانه … ؟! ماذا لو لم تعترضي طريقي كلّ مرّةٍ فأدرك أنّي لا أجيدُ الرّقصَ ولا الغناءَ ولا الأمل !
– حينما حملَ بندقيّته وسارَ إلى شيءٍ آخرَ غيرَ ما يحكى حول واجبه الوطنيّ في الدّفاعِ عن وطنٍ بلا رؤيا .. كانَ كلّ ما يفكّر به راتبًا شهريًّا يستلمه في ميعادهِ، فيكفي حاجاتِ طفله من الدّواء، كانَ وجهكِ آخر ما رأى قبل أن يستشهدَ وهو لم يتوهّج براتبٍ واحدٍ خلال سنواتِ خدمته … مازال ابنه مريضًا يتقيّأُ وجعًا أصفرَ، وزوجته تضع أحمرَ الشفاهِ عندَ كلّ سنويّةٍ لهُ تنظرُ في صورته المعلقة في وجه ابنها وتسرّهُ : ليتكَ لم تصدّق أحدًا .. لقد تحوّل بيتنا تكيّةً للجنود الذينَ فقدوا أعضاءهم ولم تستطع الحرب أن تبقيَ على آخر ما تبقّى لهم من رصاص، حيثُ قامت السّلطاتُ بإهدائه لبعضِ الدّول الفقيرة لمحاربة الوباء !!
– حينَ تركها على مقعدٍ أصفر في طريق الشّجرِ المصفَرِّ أوراقه ذاتَ خريفٍ أصفر .. كانت ترسمُ على شفاهها ظلّ ابتسامة – صفراء بالضّرورة – وكانَ يقولُ لها: سأعود .. سأعودُ لأجلكِ وحدكِ ! كانت قد ظنّت أنَّ وجهكِ يطفو فوق كلامهِ شعرت أنَّ حنجرتها قد ابتلعت آخر ما يمكنُ أنْ يقالَ، نظرت في الصّورةِ وقالت له : عَوْدٌ أصفرُ .. أصفر .. نمْ .. عليكَ السّلام !
-حين استصدرَ أمرًا باستصلاحِ مشاعٍ صحراويٍّ ليزرعَ قمحًا وورود … نثرَ بذوره، سقى حرثَهُ وذهبَ ليرتاحَ في جحره الخشبيّ الذي صنعه بيديه من لمام الخشبِ وبقايا أعشاش الطّيورِ السّاقطةِ على طرقاتِ المدينةِ … استسلمَ للتّعبِ .. وفي حلمهِ .. رأى سنابلَ كثيرة صفراءَ جميلة.. امتدَ بصره إلى الحقولِ الكثيرةِ المتناسلةِ من حقله … كانت تشرحُ القلب على حدّ وصفه .. وفجأةً تمتدُّ إلى الحلمِ ألسنةُ لهبٍ … حمراءُ صفراء .. برتقاليّةٌ صفراء … صفراءُ صفراء.. التفّت حوله تلك الألسنُ حتّى ما عادَ يرى الأرض.. ولا الحقول.. ولا السّنابل .. رأى عيناكِ تحومانِ حوله لم يستطع أن يتعلّق بالصّورةِ المنعكسةِ داخلهما إذ أرعبه جبروت النّارِ في أصفرهما…. ! استيقظَ من نومهِ إثرَ شيءِ لا يعرفهُ .. غيرَ أنّهُ تركَ كلَّ شيءٍ خلفهُ .. وانكفأ على مشاعٍ لا صورَ فيه .. حتّى أنّي سمعتُ أنَّه فقدَ ذاكرته بعدَ ذلكَ الحلمِ أيضًا !
– في اللّيلـة ذاتها الـتي اغتيــل فيها السّياسيُّ المحنّكِ – جدًّا … أفادت كاميراتُ المراقبةِ أَّنَّ هناكَ امرأة صفراء – شقراء- فاقعُ لونها رافقتْهُ طيلةَ المساءِ ، وقد دخلَتْ إلى مكتبهِ لحظةَ انقطاعِ الكهرباءِ… فلم يدوَّن لها أيّ بيانات ولا هويّة !
– في سُورةِ الحَديد: “كمثلِ غيثٍ أعجبَ الكفَّارَ نباتُه ثم يهيجُ فتراه مصفَرًّا ثم يكونُ حطاماً وفي الآخرة عذاب شديد” (20)

عهود عدنان نايلة
1-تمّوز-2020م
الأردن – سوريا / الإمارات

الإدارة

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى