إشراقات أدبيةالقصة

قِصَّة الجَرِيمَة بلا قناع بِقَلَم الأديبة عَبِير صَفْوَت

 

إِسْمَاعِيل إِسْمَاعِيل ، النَّارِ النَّارَ ، اِحْتَرَس يَا إِسْمَاعِيلُ .

جَابِر . . جَابِر ، أَيْنَ أَنْتَ يَا جَابِرُ ؟ !

مَاذَا حَدَثَ يَا بية ؟ !

حَلَم مَفْزَعٌ يَا جَابِرُ ، حَلَم مَفْزَعٌ ، أَصْوَات مريعة تُطيل فِي النِّدَاءِ ، حَتَّى أَتَخَوَّف فِي مَنَامِي ، تزعق كالرعد :
إِسْمَاعِيل إِسْمَاعِيل اِحْتَرَسَ مِنَ النَّارِ يَا إِسْمَاعِيلُ .

هَل تسمحلي ؟ ! يَا بية ، رُبَّمَا هُنَاك أَفْعَال تُدْرِكُهَا وَهِيَ لَا تُعْجَبْ الْآخَرِين ، فيحذرك بمنامك ذَلِك

جَابِر ، أَنَا مخدومك مُنْذُ أَرْبَعِينَ عَام ، تَعْلَم انَّنِي حُوِّلَت الْإِقْلَاعُ عَنْ الْمَعَاصِي ، عَنْ السَّرِقَةِ عَن السَّهَر عَنْ أَفْعَالِ لَا يتقبلها الْآخَرِين ، هَلْ تَعْرِفُ ؟ ! احدى أَصْدِقَائِي اِقْتَرَب ذَاتَ مَرّةٍ ، قَائِلًا :
إِنِّي رَأَيْتُكَ بِالنَّار .

النَّارِ النَّارَ اِشْتَم رَائِحَةَ النَّارِ بِكُلِّ مَكَان ، أخشى وارتعش مِنْ ذِكْرِ ذَلِكَ ، لَكِنِّي لَا أَعْرِفُ لِمَاذَا أَشْعَر بِاللَّذَّة واضحك أَضْحَك ، هَلْ تَعْرِفُ لِمَاذَا أَضْحَك ؟ !

أَضْحَك عَلِى دُمُوعُهُن وانكسارهن ، أَنَا أَنَا أَنَا الْحِصَان الرّابح يَا جَابِرُ ، ههههه ههههه .

اللَّهِ الْحَافِظُ يَا بية .

مَالَ الرَّجُلِ الْعَجُوز بِرِفْق يُنْظَرُ وَجْهُ الْأَرْضِ ، كَأَنَّه يَتَأَكَّد أَن مَخْدُومِه الْمَفْقُودَ قَدْ رَحَل ، وَهَمس قَائِلًا :
يَا اللَّهُ هَذَا حَالُ الدُّنْيَا .

اِقْتَرَب الْمُحَقِّق يَنْظُر صَوْب بُقْعَة الْأَرْضِ الَّتِي كَانَتْ بِحَوْزِة الْعَمّ (جابر) قَائِلًا ، كَأَنَّه يُخَاطَب رَجُلًا آخَرَ :
مِن الْمَدَان ياعم إِبْرَاهِيم ؟ !

قَال حَارِسٌ الْعَقَار بِشِدَّة :
أَنَا حَارِسٌ الْعَقَار مُنْذ أَعْوَام كَثِيرَةٌ ، وَلَم أُرِى جَرِيمَة وَاحِدَةٍ غَيْرُ ذَلِكَ الْأَمْرِ

تَفَكَّر الْمُحَقِّق قَلِيلًا ، ثُمَّ عَادَ يَتَساءل :
كَمْ مِنْ اِنْجال الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ؟ !

نَظَرٌ الْعَمّ جَابِر بوجهاَ مُسِنٌّ وَكَأَنَّه تَذَكَّر شَيّ جَعَلَهُ يَبْتَسِم ، ثُمَّ أَجَابَ :
سَنَاء .

آكَد الْمُحَقِّق :
وَغَيْرِ ذَلِكَ ؟ !

عَمّ جَابِر تَتَغَيَّر مَلاَمِحِه بِقَسْوَة :
سَلَامِه .

الْمُحَقِّق باِهْتِمام :
لَكِن أَيْنَ كَانَ الْأَبْنَاء لَيْلَة الجَرِيمَة ؟ !

رَتَّب الْعَمّ إِبْرَاهِيم أَفْكَارِه حَتَّي قَال :

فِي الْعَاشِرَةِ صَبَاحًا ، هَرِعَت سَنَاء بَاكِيَةٌ ، مِنْ عِنْدِ أَبِيهَا حَتَّي تَفَوَّهَت بِكَلِمَات ، غَيْرُ مَقْبُولَةٍ .

الْمُحَقِّق :
مِثْل مَاذَا ؟ !

تنكرت لابوة الرَّاحِل وَقَالَتْ هَذِهِ الْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ الَّتِي سَيْرِهَا فِيهَا .

أَمَّا (سلامة) جَاءَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ مَسَاء وَبُدِئ مِنْ وَجْهٍ الْمُقْتَضَب ، أَن الْعِرَاك اِسْتَفْحَل بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّاحِل ، حَتَّي قَالَ لِي وَهُوَ يَنْظُرُ الْأُفُق :

تُرِى المتشردين أَمْثَالِي ، مَاذَا يَفْعَلُونَ مِنْ أَجْلِ الْعَيْش بِسَلَام يَا عَمِّ جَابِر .

أَوْقَف الْمُحَقِّق الْعَمّ (جابر) بِإِشَارَة مِنْ يَدَيْهِ متسائلا :
مَاذَا قُلْت لَهُ ؟ !

تَنَهُّدٌ جَابِر وَبَدَت ماّقية تسرد مِن اجافنة ، حَتَّي قَالَ بصوتة الهادئ وَهُوَ يَمْسَحُ دُمُوعُه بمقدمة قميصة :

مَاذَا يَقُولُ أَباً عَنْ ابْنِ عَاصِي ، فَقَد رَبِيت (اسماعيل) مُنْذ الصِّغَر ، لَمْ يَتَعَلَّمْ وَلَم يُطِيع وَلَم يَتَّقِي شَرّ الْأَفْعَال ، كَانَ دَائِمًا يَصْرُخ :

جَابِر جَابِر أَيْنَ أَنْتَ يَا جَابِرُ ؟ !

حَلَم مَفْزَعٌ يَا جَابِرُ .

نَظَرْت بعيونها المرتخية تَسْدُل سَتَائِر اللَّغْو وَتَصْنَع الاتّزَان ، حَتَّي تَحَكَّمَت بِجَسَدِهَا الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَتَحَرَّكَ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ حَتَّي قَالَت :
أَبَدًا أَبَدًا يَا بية لَا شَيّ غَيْر الصَّدَاقَة .

نَظَرٌ الْمُحَقِّق عِنْد عُنُق المتهمة ، حَتَّي لَاحَظ قِلَادَةٌ ثَمِينَة متسائلا :
مِنْ أَيْنَ لَكَ ذَلِكَ .

اِبتسَمَت لواحظ وَهِي تمرر أَصَابَهَا بِالقِلادَة ، تهمس منتشية :
مَحَبَّة .

سَقَط الطَّبِيب عَلِيّ مَقْعَدَة غَيْر مُتَعَجِّبًا :
الْمَرْأَة المنحلة هِي الْقَاتِلَة .

عَقِب الْمُحَقِّق :

إنَّمَا هُنَاك بَصَماتٌ عِدَّة ، الِابْن وَالِابْنَة وَالْمَرْأَة المنحلة ، وَلَا تُنْسِي الْعَمّ (جابر)

تَفَكَّر الْمُحَقِّق قَائِلًا :
عَلَيْكَ أَنْ تُرِي تَرْتِيب الْأَحْدَاث وتربطة مَع طَبَقَات البصمات وَتَوْقِيت الزائرين مَع لَحْظَة رَحِيل الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ .

بَرِيئَةٌ أَقْسَم إنَّنِي بَرِيئَةٌ يَا بية .

يُبْرِم الْمُحَقِّق عَلِيّ الْمَجْنِيّ عَلَيْهَا :
كُلُّ الْأَدِلَّةِ ضدك ، بصماتك وَتَوْقِيت التَّوَاجُد وَبَعْض الشُّهُود عَلَيَّ إنَّكَ كُنْت هُنَاكَ وَقْتَ وُقُوعِ الجَرِيمَة .

صَمَتَت الْمَرْأَة المنحلة وَقَد أَبَدِي الْوِفَاض بِهَا زمة الِاعْتِرَاف :
إذَا ساسرد مَا حَدَثَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ .

كُنْت بِالْغُرْفَة الْمُجَاوِرة ، حِين تَعَارَك إِسْمَاعِيل مَعَ ابْنِهِ وَابْنَتُة ، أَقْدَمْت عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ الْعِتَاب ، إنَّمَا قَالَ مُوَبِّخًا لِي اتركيني وشأني .

تَرِكَتِه وَطَال الِانْتِظَار ، بَعْدَ سَاعَةٍ قَرَّرْتَ أَنَّ أُرَحِّلَ فَقَالَتْ لِي نَفْسِي :
دَعْك مِنْ تِلْكَ الشُّؤُون .

حِينَ دَخَلَتْ عَلَيْهِ كَانَ يغفو بِكُرْسِيّ الشَّرَفة ، حَاوَلَت أن إيقَظُه ، لَكِنَّهُ كَانَ بِحَالِه مُزْرِيَة ، مُتَفَصِّد وينتفض . مِثْل الْفَأْر وَكَان يُرَدِّد النَّارِ النَّارَ ستلتهمني .

حِين أَيْقَظَتْه هَاج وَمَاج وترنح أَمَامِي ، شَعَرْت بِالرُّعْب وَهَرَبَت مِن مَوْقِعَه ، حَتَّى رَأَيْتُهُ يَهْوِي الْبَرَاح مِن الطَّابَق الْعُلْوِيّ .

لَم يَرَانِي الْحَارِس وَلَكِن البصمات وَالشُّهُود كَانَ لَهُمْ الدَّلِيلُ فِي ذَلِكَ .

كَانَت حِيلَة رَائِعَة ، قَالَ الطَّبِيبُ الشَّرْعِيّ ذَلِك ، بَعْدَمَا سَرْد الْمُحَقِّق مَا دَارَ ، قَائِلًا :
لَا تُنْسِي أَن الشُّخُوص السيئين دَائِمًا نِهَايَتِهِم مُحْزِنَة .

الطَّبِيب الشَّرْعِيّ :
حَصَاد اشواكهم مِنْ جَرَّاءِ أَفْعَالِهِم .

الإدارة

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى