مقطع من رواية المنفى الأخير بقلم”الأمين السعيدي”
وردة طفلة مسالمة لا تلعب كثيرا كما يفعل الأطفال حتى لا تنكسر لها لعبة ما،لم تجرأ على الركض فوق الشمس مثلهم خوفا على ثيابها من الاحتراق.
كانت تذكر ملامح أمها جيدا في تلك الفترة الموغلة في الوجع،لم تكن طفولتها سيئة بل كانت شديدة السوء.لم تستهوها ازقة المرح مثلهم،فهي تذكر جيدا كيف كان وجه امها انذاك،تعشق رائحتها كثيرا وتشعر أن عطر جسدها هو دليلها في المدن والقرى،لما كانت صغيرة لم تمسها أمها بسوء لأنها لم تفعل شيئا يستحق ذلك،لم تؤذ أي طفل من اطفال الحي ولم تدخل في الخصام مع احدهم.تذكر حين أخذها والدها الى احدي قرى الجنوب فأدهشتها تلك الاماكن وعادت برصيد من الجمال لانها ترى السحر في كل التفاصيل؛في الغمام المتناثر هنا وهناك، في الشجر العالي،في اسراب العصافير المحلقة.
كانت تؤمن بأن لا شر في هذا العالم ولا رفاق يحترفون الرحيل،ترى الدنيا بوشحات اخرى،لم تكن مخطئة في أوهامها تلك والدنيا كذلك لم تخطئ حين دكتها بتلك الاصابات المفاجئة.
امها التي أخطأت لأنها لم تعلمها اصول الخبث ولم تخبرها ان في الدنيا روائح أخرى غير التي تفوح من جسدها لم تقل لها مطلقا أن الصديق راحل وأن هناك مواعيد للوداعات الصامتة.
كل الحدوس التي اصابت قلب وردة وجميع مطبات السقوط التي وقعت فيها وتلك الثقوب التي عبرتها لم تكن لسوء في الفصول،وانما لسوء في طيبة امها !“