القصة

صديقي الراحل بِقَلَم: الأديبة “عَبِير صَفْوَت”

قِصَّةً قَصِيرَةً
صديقي الراحل
بِقَلَم الأديبة عَبِير صَفْوَت
أَسْتَرْخِي فِي جَدَل نَفْسِي وَبَات مثابرا متنهدا بِعُمْق ، لَم يَسْتَدِيم الْحَال بِحَائِل إلَّا مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ ينهنه كَا بُكَاء الطِّفْل وحامت اطياف الذِّكْرِيّ ، تتربع عَلِيّ جَسَد الرَّفِيق الْمُلْقِي بِجَانِبِه عَلِيّ أَرِيكَة البَهْو الأَمَامِيّ ، خَالَطَت الدُّمُوع حَسْرَة وَالْحُزْن بُكَاء حَارّ ، ارتجفت أَوْصَالُه وَأَصَابَه الْجَمُوح ، وَبَاتَت كَلِمَاتِه كالتيار الْجَارِف يَجْذِب مَعَهُ كُلَّ الْأَشْيَاءِ ، اِنْكَمَش وَجْهِ الرَّجُلِ يَجْهَر بِنَوَاح وصخب ، يَسْكُن الْقُلُوب بالفزع ، حَتَّي اِقْتَرَبَ مِنْ جُثَّة حَبِيبَة وَرِفيق عمْرَة
“علي الرحال” نَاح بِغَيْر مُقَدَّر وتفاجأ بِغَيْر مُنْتَظِرٌ :
عَلِيّ “علي ” أَنَا رَفِيقٌ عُمُرِك يَارَجُل “علي” تَحْدث آلِيا ، انْهَضْ يَا “علي “
قَال “أسد الجيار” ذَلِك ، عِنْدَ وُصُولِ رَئِيسِه رَابِطَةٌ الشَّرّ وَالسَّرِقَات ، أمونة سَالِم ، حَتَّي حدجت المرتمي عَلِيّ جُثَّة الرَّاحِل ، وانهت الْأَمْر بِكَلِمَة ، طَافَت عَلِيّ رُؤُوس الْوَاقِفِين حَوْل جُثَّة الرَّاحِل ، قمعت الْوُجُودِ بِهَا :
الْخُطَّة الْجَدِيدَة ، سَوْف تَعْلَمُون بِهَا الْآن ، سطوا جَدِيد .
اشْتَدَّت أَبْصَار الْجَمِيع نَحْو رَئِيسِه الْعِصَابَة حَتَّي يرتشفون الْأَوَامِر ، إلَّا مِنْ “أسد الجيار” رَفِيقٌ الرَّاحِل الَّذِي مَازَال يَرْكُد فَوْق صَدْر جُثَّة رَفِيقِه يَنْظُر الْبَرَاح ، وَيُطْلَق الْأَوَامِر :
انْهَضْ يَا “علي” أَنَّه سَطْو جَدِيد يَا صَدِيقِي ، أَنْت قِف هُنَاك بِالْخَارِج بَعِيدًا عَنْ الْخَطَرِ ، وَأَنَا أَتَوَجَّه لكامل الْخَطَر ” عَلِيّ ” انْهَضْ يَا صَدِيقِي ، مِن سيعطي الْإِشَارَة “علي” هَيَّأ يَا “علي ” مازالَت الإنجازات متاحة ” عَلِيّ ” تُحَدِّثُ يَا “علي” تَحْدُث .
استوقفت رَئِيسِه الْعِصَابَة “أسد الجيار” بِإِشَارَة مِنْ يَدَيْهَا ، وَقَالَت بِحَدِّه وصراخ :
مَات “علي” مَات “علي”
جَهَر “اسد الجيار” مُتَشبِّثا بِالْأَخِير باستماتة :
“علي” انْهَضْ يَا “علي” لَا تخشي ساغطيك ، اذْهَب مِنْ هُنَا وَأَنَا سأذهب مِنْ هُنَا ، تَمَهَّل يَارَجُل حَتَّي لَا يغافلك الْمُصَاب .
خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ ثَبَاتِهَا حَتَّي قَبَضْت الرَّجُلُ مِنْ مَنْكِبَيْهِ ، تَلَظِّي بَلَغَه الشَّرّ :
أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمَرِيضُ ، مَات رفيقك الْأَبْلَه ، مَات “علي” مَات “علي”
حَضَر الْمُتَلَصِّصِين مَوْقِع الجَرِيمَة وَبُدِئ مِنْ الْأَمْرِ ، سَرِقَة بَنْك ، حَتَّي تُنْصَب كُلٌّ مِنْهُمْ الْأَمْكِنَة الْمُنَاسَبَة لسطو ، إلَّا “اسد الجيار” الَّذِي كَانَ يَنْظُرُ يُحْدِثَ ظُلَّةً بِرِفْق :
احْذَر يَا “علي” لَا يُصِيبَك الْمُصَاب مِثْل السَّابِق .
خَرَج الْجَمِيع كُلًّا مِنْ مَوْقِعَه ، إلَّا “اسد الجيار” الَّذِي تَأَخَّرَ عَنْ دَوْرُه الْمَعْهُودِ فِي اكْتِمَال الجَرِيمَة ، مازل يُحْدِثَ ظُلَّةً ، لَمْ تَكْتَمِلْ أَرْكَان الجَرِيمَة . . ) حِينِهَا
نَظَرٌ “اسد الجيار” فَوْق مِنَصَّة سَوْدَاء ، يَحُوم فَوْقَ رَأْسِهِ أَضْوَاء صَاخِبَة تلكز بُؤْبُؤُ العَيْنِ فِي مَقْتَلٍ ، حَتَّي شَعْرِ الرَّجُلِ بنعاس بَعْد إيقَاظُه أَيَّام ، وتاة فِي مَلَكُوتِ الذِّكْرِيّ وَتَسَاءَل بِكَلِمَات مُتَقَطِّعَة :
“علي” أَيْنَ أَنْتَ يَا “علي ؟ !
قَالَ أَحَدُ رِجَالِ الظَّلاَل السَّوْدَاءِ الَّتِي كَانَتْ تَتَبعُه عَنْ بُعْدٍ :
هَذَا مَا أَوْقَعَك فِي الْفَخِّ ، أَيُّهَا الْحَاذِق النَّبِيل ، تُري كَم أَحْبَبْت عَلِيّ ؟ !
حَتَّي صَدَح “اسد الجيار” وَكَأَنَّه يَتَحَدَّث مِنْ فَوْقِ تَلٍّ :
هَلْ هُوَ بِخَيْر ، لَا تَكَذَّب عَلِيًّا ؟ !
قَالَ صَاحِبُ الظِّلّ الْأَخِير لِصَدِيقِه الْمَرَافِق الْمُتَجَسِّد فِي صُورَةِ مُحَقَّقٌ :
يَبْدُو أَنَّ عَقْلَهُ شَت وَأَصَابَه الْجُنُون .
حَتَّي قَال الظِّلّ الثَّالِث بصوت هادئ ورصين :
مَات “علي” يَا أَسَد ، مَات “علي”
جَهَر أَسَد الجَيَّار :
“علي” احْذَر يا “علي” أَنَّهُم خَوَنَةٌ ، احْذَر يَا صَدِيقِي .
جَلَس الْمُحَقِّق بمكتبة الفخم ، حَتَّي قَال للمعاون :
دُونَ مَا لَدَيْك ، تَمّ الْقَبْض عَلِيّ عِصَابَة خَطِيرَةٌ تقودها امْرَأَة غَامِضَة لَهَا مِنْ الْأَحْكَامِ وَالْجَرَائِم أَمَد وملفاً كَامِلاً ممتلاء بالأعاجيب وَالْأَلْغَاز ، يَحُول الْجَمِيع / الْمَرْأَة وَالثَّلَاث رِجَالٌ إلَيّ النِّيَابَة الْعَامَّة إلَّا مِنْ الرَّجُلِ الرَّابِعِ الَّذِي سَيَحُول إلَيّ مشفي الْأَمْرَاض الْعَقْلِيَّة .
مَرَّت الْمرأة مُقَيَّدَةٌ بسلاسل غَلِيظَة ، يَتْبَعُهَا الثَّلَاث رِجَالٌ فِي قَيْدِ الأصفاد ، يَنْظُرُون الرَّجُل الرَّابِع نَظَرِه حاقدة ، بَاتَت صُدُورِهِم وَعُقُولُهم تَنْفَجِر غَيْظًا :
أَوَّاه لَو نتملك مِنْك ، لَكُنْتُ مِنْ الراحلين .

الإدارة

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى