القصة

لا شيء بقلم: “سهام رمضان محمد حسن “

بقلم /سهام رمضان محمد حسن
مصر/اسوان
لا شيء
اهداء الي عائلتي التي اكتنفتنِ بالحب دوما .
اهداء الي صديقة دربي أمينة
اهداء الي كل من جرحني وكان جرحه مصدر قوتي.
اهداء الي كل من تمن لي الخير….
مقدمة
الحب كالشجرة الطيبة الا لم ننتفع بثمارها يكفي ظلها، الحب هو تلك الطاقة الخفية التي تلون الروح بالوان مبهجة، الحب هو البلسم الشافي من اي جرح ،الحب هو طريق التسامح والامل ،الحب هو القوة .
فالحب ثمرة لا تنبت في كل القلوب فهنيئا لكل قلب لا يثمر الا حب ،لكل قلب لم تلبسه الجراح ثوب السواد ،لكل قلب لا يعرف للكره طريق مهما تجرع من آلام.
لكن الحب وحده لا يكفي لابد من ان يرويه التسامح والثقة و يدعمه التفاهم و التغافل حتي ينمو و نتذوق ثمرته.
اهدي هذه الكلمات الي كل من جرح وغدر وخان باسم الحب ،الي كل من تلاعب بالمشاعر وكسرها باسم الحب ، فالحب اسمي ،وسيظل الحب باقي ما بقي الزمان ،قادر علي شفي الجراح وجبر الخواطر و ستظلون انتم محرمون منه دائما…
د/مصطفي محمود
“الحب هو الألفة و رفع الكلفة، ان لا تجد نفسك في حاجة للكذب ان تصمتا انتما الاثنين فيحلو الصمت وان يتكلم احدكم فيحلو الاصغاء”
*********
اذن لماذا سحبت خنجرك و غرسته بقلبي!
كان هذا حوارهما الاخير
اغمضت سلمي عينيها متجاهلة ما مر بذهنها …..
انها الحادية عشر من مساء كل يوم حيث تتفرغ سلمي لقراءة الكتب.فكانت سلمي هادئة الطبع يشوبها شيء من العصبية ،تميل للعزلة قليلا، الا انها تحب الحياة بكل ما بها من تحديات.. تؤمن بان الحب اساس الحياة ،ان الحب وحده كفيل بتضميد الجراح و تذليل العقبات.كانت تعتقد دائما ان الحب يسود كل القلوب ،لكن كيف يسود الحب في زمن اصبح به التكلف نمطا حياتيا واصبح للحقد والكراهية صوت يعلو صوت الحب ،فهي تردد دوما ان الحب باقي ما بقي الزمان.
بينما كانت سلمي تقرأ كتابها اذ بصوت والدتها من خارج الغرفة :
• هل نمتي يا سلمي؟
• تفضلي يا امي ما زلت مستيقظة.
• كيف كان يومك ،لقد تأخرتي كثيرا عن موعد غدائك؟
• نعم يا امي الكثير والكثير من المهام .
توقفت سلمي عن الحديث لحظة ناظرة لوالدتها محدثة نفسها
ماذا تريد امي فانا كثيرا ما أتأخر عن موعدي .
ادركت والدتها معني تلك النظرة فسارعتها قائلة
• تعلمين يا ابنتي اني كبرت كثيرا في العمر و والدك ايضا و كم تمنيا ان نراك عروسا لتكتمل رسالتنا بالحياة ، الان ادركت سلمي ما كانت تريد والدتها فقاطعتها
• امي كم تحدثنا في ذاك الموضوع، وكم مرة اخبرتك باني لن اتزوج بتلك الطريقة :لذلك وفري جهدك ،
لن اتزوج الا بمن يقتنع به عقلي وقلبي.
لم تكن سلمي تنتظر بطلا خارقا لترتبط به ،فكل ما تمنته هو انسان بسيط في زمن ندرت به البساطة ،في زمن اصبحت به المشاعر مزيفة و باهتة ،انسان طموح لديه عقلية واسعة ،انسان تشعر معه بالأمان .
• حسنا يا سلمي سأبلغ والدك انك لم توافقي علي ادم ابن عمك
وهمت والدة سلمى بالخروج من الغرفة الي ان استوقفتها سلمي ،فكانت سلمي غير متوقعة ما سمعت او انها متظاهرة بعدم توقعه يخالجها شعور مختلط بين الفرحة والخوف.
• هل كان ادم يا امي
• نعم ادم.
حيث كان ادم شابا يافعا متوسط الحال يكبرها بثلاث سنوات يمتاز بالحس الفكاهي ،مثقف رغم حصوله علي تعليم متوسط، لديه عمل حر، و لديه ميول مشتركة منذ الصغر مع سلمي.
ردت سلمي مسرعة قبل ان تغادر والدتها الغرفة : حسنا سأفكر بالأمر.
كانت سلمي لديها مخاوف كثيرة من فكرة الارتباط فهي لا تريد لقلبها الحالم ان يكسر ،لا تريد ان تضع بذرو الحب في ارض بور ..لذلك كانت سلمي تخبئ مشاعرها بين الكتب و ملفات العمل ،تخفيها في ثوب القوة.
اخذت سلمي تفكر جيدا في ذاك العرض خاصة انها لم تكن المرة الاولي التي تقدم لها ادم لخطبتها ..
فبعد مرور يوميين اخبرت سلمي والدتها بالموافقة ،ففرح الجميع وشرعوا في اعداد الترتيبات اللازمة. الي ان جاء اليوم الموعود ،فكل شيء حدث في لمح البصر.
كان ادم في ذاك اليوم تبدو عليه ملامح السعادة حيث بعيناه بريق كبريق النجم الهادي في جوف الليل الصافي ،تملئ ثغره ابتسامة خافتة تبادله اياه سلمي .وبينما هما يتبادلان النظرات والابتسامات قاطعته سلمي سألة ،:
 لماذا انا
 لأنك كالوردة المزروعة ببستان القصر لا احد يستطيع لمسها او شمها باستثناء الملك.
 ابتسمت سلمي واخفضت راسها من الخجل. ثم تابعت حديثها لكنك ذو ماضي ،فلماذا تركته وهل نسيته ام انك…
قاطعها ادم قائلا:
اعلم ما يدور بعقلك، فقبل كل شيء انت ابنت عمي و من دمي و تعلمين مدي معزتك بقلبي ،فلا تخافي انا لن اضرك فلم اضر غريبا فكيف سأضر من هو مني.
اطمأنت سلمي لحديث ادم المغموس بالعسل متناسيه كم من سم قد دس بالعسل! باتت سلمي في منتهي السعادة حيث انها اخيرا وجدت حب عمرها وجدت أمانها او انها توهمت ما وجدت.
• اما انا فاخترتك لأن شعرت معك بالأمان ،و اعطيك ثقة لم اعطيها احد من قبل.
فكن لي الامان دوما فيكفي غدر الزمان
لا تغضب من جنوني فالقلب يحمل براءة الاطفال
فكن لي ملجأ من العالم اهرب اليه
رد ادم :تأكدي يا ملكتي ان اختيارك صحيح .
• تعلم ان احساسي اتجاهك لم يخطئ ابدا دوما كنت اقرأ عينيك، هل تؤمن بمقولة .
“ما تخفيه القلوب تفضحه العيون. “
• نعم فكم اخفيتي مشاعرك عني و فضحتك عيونك
في تلك الايام صار كل شيء علي ما يرام ،بات ادم ينسج شباك الحب حولها ،وصارت العلاقة بشكل هادي يسودها الحب والاتفاق الا انها اختلطت ببعض من الاختلافات الطفيفة التي تحدث في الطبيعي التي لم تستطع ان تطغي علي شحنات الحب بينهما.كانت سلمي تعلم جيدا في قرارة نفسها ان هذا الهدوء السائد لم يكن الا ذاك الهدوء الذي يسبق العاصفة، ليس تشاؤما منها .لكن رغم حبها الشديد له و رغم شعورها بحبه لها الا انها دائما ما اخبرها حدسها ان هناك شيء خاطئ، شيء لا يقبله عقلها و لا يرتاح له قلبها ، فهي تعلم ايضا ان الحب الحقيقي لا تظهره تلك الايام الخوالي ولا اغنيات الغرام بينما تظهره الخلافات و المواقف الصعبة تظهره تلك التحديات العنيفة التي تواجهنا بها الحياة دائما.
فهنا وهنا فقط يظهر من احب ومن ادعي، يظهر العاشق ومن سيسقط عنه القناع. فكما يقول الشاعر فاضل اصفر:
لا يخدعنك شكل الرجل وان كان يبدو بأبهي الحلل
فرب دواء شديد المرار ورب سموم بطعم العسل
و فتك الذئاب يكون عظيما. اذا ما تخفت بجلد الحمل
.فكم تمنت ان يخطئ احساسها تلك المرة، فكم تمنت ان يغلب حبه تلك الحيرة بقلبها…
سرعان ما تمر الايام الحلوة ، لقد مر شهر منذ اتمام الخطبة واخذت العلاقة شكل جديد، بعد كل هذا الحب الذي يملئه الشغف ساد الفتور بينهما ،هل انتهي الحب و كيف وقف الحب عاجزا مهزوما امام ذلك الانهيار !ام انه مجرد شغف انتهي بانتهاء الحماس!
فجأة اصبح ادم صامتا ،اصبح شاردا عنها وان كان قريب .، لم يعد يقابلها كما كان ،لم يجب علي الهاتف الا في اضيق الاوقات ،اصبح كل ما يربطهم رسالة علي مواقع التواصل الاجتماعي .
و اخيرا التقت سلمي بآدم مصادفة كالغرباء ،فسألته سلمي مستنكرة هذا الوضع:
• اريد ان افهم ما يدور حولي ،فإنا لا يروق لي هذا الامر.
• ماذا تعتقدين اذن؟
• انا من بدأ السؤل و اريد جوابا
• ربما فعلت امر دون قصد مني ،ربما سوء تفاهم ، وربما قد قصرت معك في شيء
• اخبرني ماذا فعلت انا من كل هذا.
• وان كانت لديك علة او خطب ما لماذا لم تخبرني اذن؟
رد ادم :
• لا شيء ، لا هذا ولا ذاك.
ثم ساد الصمت قليلا بينهم و قطعته سلمي :
عاتبني فصمتك يقتلني
عاتبني فعيونك لما اخفيت فاضحة
فكيف تقول اهواك
واراك تحيا بعذابي
كيف تقول البعد عني محال
وارك بعيدا في قربي
عاتبني فصمتك يقتلني
رد آدم بشيء من اللامبالاة و كأنه يريد ان يستفزها.
• لا شيء
• تعلم يا آدم ان لدي احساس يخبرني بأنك تتصرف معي علي عكس ما في قلبك.
• اتبعي احساسك اذا.
• هل تعلم اي احساس لدي ؟
عاد آدم لصمته مجددا ، و انصرف دون ان يودعها ،تاركا ايها في مزيد من الحيرة والألم.
لا تعلم سلمي ماذا حدث ،و كل ما تيقنه سلمي ان شيء كسر و صعب اصلاحه ،فحاولت سلمي جاهدة فهم ما حدث لكن يبدو انها تحاول وحدها ،و ربما هي و حدها تريد ابقاء العلاقة علي قيد الحياة .
طوال تلك المدة بدت سلمي متماسكة ،هادئة ،قوية ، تتحلي بالصبر علي عكس عادتها ،لكن قلبها يعصف من الالم و تشتت الحيرة عقلها ، نعم ان اقوي صراع قد يقوده الانسان ذاك الصراع بين ما يقبله قلبك و يرفضه عقلك ما ينفيه قلبك و يثبته عقلك ،و في نهاية الامر اخذت سلمي قرار واسرته في نفسها ،اخفت سلمي حزنها وحيرتها عن الجميع الا صديقتها المقربة ندي التي كانت دائماً معها. فهي صديقتها منذ الطفولة و تعملان سويا في نفس الشركة مما و تطد علاقتهما رغم اختلاف شخصيتهما ، فتمتاز ندي بشخصيتها الاجتماعية و تمتلك حس من الدعابة و اللامبالاة علي عكس صديقتها التي تمتاز بتحملها الشديد للمسؤولية ،فكانتا تتبادلان وجهات النظر في معظم امورهم.
لم تستطع ندي مساعدة سلمي لأنها مثلها باتت في حيرة لما يفعله ادم و ماذا يخفي وراء صمته! و كيف استطاع هجرها كل تلك المدة و اين ذهب كل ذلك الحب ،ام انه مازال موجود! فكل ما نصحتها به ندي ان تتحلي الصبر، لعل الله يحدث بعد ذلك امرا.
• مبارك لك يا سلمي، انت فتاة مجتهدة و تستحقين كل خير .
• شكرا جزيلا يا سيدي، فهذا بفضل توجهات حضرتك بعد فضل لله.
• اتمني ان اكون عند حسن ظنك يا سيدي
• ائذن لي بالانصراف
• تفضلي و بالتوفيق دائما.
انصرفت سلمي الي مكتبها و هنئها أصدقائها علي منصبها الجديد بالشركة، حيث انها تحب عملها و تتقنه ،فكانت دائمة الدراسة و القراءة مما اكسبها مهارات جديدة ساعدتها في كسب ثقة رؤسائها. لقد اعتادت سلمي ان تحول اي لحظة انكسار او حزن لديها الي طاقة ايجابية تدفعها للأمام ،تدفعها للقمة ،اعتادت ان تقف علي حطام اليأس لتصل للقمة ،فكانت دائما راضية عن انجازاتها حتي و لو قليلة ،يكفي فقط ان تمتلك القوة التي تقف بها امام حزنك .
اعدت سلمي حفلة صغيرة بمنزلها و حضر الاصدقاء لتهنئتها ،فكان اليوم حافل وجميل ،لقد تناولوا العشاء سويا وسمعوا بعض الاغنيات معا ،و في ظل هذا الصخب والاصوات المتعالية ،شردت سلمي بذهنها الي واد بعيد الي حيث الحيرة و الألم ،في هذه اللحظة ادركت سلمي ان كل شيء انتهي.
قالت محدثة نفسها:
• اتي الجميع الا هو ،الكل رأي نجاحك و هو لم يراك من الاساس ،اي لعبة هذه !
ظلت سلمي شاردة لحظات و يبدوا ان ندي لاحظت ذلك فقطعت حبل افكارها حتي لا يلاحظ احد ما يحدث.
• كل شيء سيكون علي ما يرام
• ابتسمت سلمي ، نعم كل شيء سيكون كذلك.،قريبا سيعود كل شيء لطبيعته.
انتهي اليوم فمنذ زمن لم تحضر سلمي حفلات ،فهي بطبيعتها تحب الهدوء ، لكن ايضا كان يوم مميز ،جعلت سلمي نور الغرفة خافت لتقرأ القليل قبل النوم ،امسكت الكتاب و تهيأت للقراءة ،عينها علي الكتاب و عقلها محلق بعيدا ،اغلقت الكتاب و كادت ان تنام و قبل ان تغمض عينيها لمحت طيفه امامها ،فدمعت و حدثت نفسها :
• ان كان يحبني حقا فأين هو الان.
• كيف هنت عليه و لماذا اقترب اذا كان يود البعاد!
• كم ارغب في ايجاد اجابة علي كل هذا.
وقفت امام صمتك حائرة
أ يشبه البحر في علو موجاته
ام يشبه البحر في هدوء جريانه
وقفت امام صمتك حائرة
أ قارب نجاة
ام قارب فارق قبطانه !
مسحت سلمي دموعها و خلدت للنوم لتستقبل يوم جديد غير فاقدة للأمل ،فغدا سيكون اجمل ،فغدا سينتهي كل ألم، فغدا سيصبح كل هذا لا شيء ،دربت سلمي نفسها دوما ان تستقبل اي مشكلة بأمل و قوة و قبل كل هذا ثقتها بالله ،فرب الخير لا يأتي إلا بخير. قالت لنفسها مبتسمة،
• يكفي هذا
فقد خلقت العلاقات للراحة ،ليكمل كل منا الاخر ،لمساندة بعضنا البعض لا لاستنزاف طاقتنا في التفكير المفرط. من ارادك حقا سيبحث عنك ،من ارادك سيفتقدك ،من ارادك سيقبل عيوبك قبل مميزاتك. فلقد خلقنا الله ازواجا للسكن والراحة …قال عز وجل “ومن آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها و جعل بينكم مودة و رحمة “
استيقظت سلمي لتستقبل يوم جديد بمهام جديدة في منصب المدير مدركة كم المسؤوليات علي عاتقها ،اجتمعت بزملائها لتتفقد بعض الامور و توزيع المهام ،غير مستخدمة اسلوب رئيس و مرؤوس ،فهي تفضل روح التعاون والمشاركة اكثر من اعطاء الأوامر. و في خلال فترة وجيزة استطاعت تطوير وتغيير الكثير و الكثير في الشركة . في تلك الفترة غرقت سلمي في عملها اكثر من اللازم ،ربما لتثبت انها علي قدر المسؤولية التي وكلت لها ،او هربا من واقعها. لاحظت ندي انهماك صديقتها في العمل ،فطلبت منها ان يلتقيان خارجا بعد انتهاء عملهم. وافقت سلمي ، و التقيتا في احد المطاعم ،وتناولتا الغداء معا.
بدأت سلمي الحديث قائلة :
• اشكرك يا ندي علي دعوتك ،فكم كنت احتاج اليها.
• نعم ،فمنذ متي لم نخرج سويا خارج اسوار الشركة. ؟
• اراك يا سلمي تنغمسين في عملك اكثر من اللازم أصبحت تقضين يومك بها اكثر من منزلك ، هل تهربي من مواجهة قرارك ؟
• اهرب ،انت تعلمين جيدا اني لم اهرب قط من اي مواجهة . كل ما في الامر اني استعيد توازني ،استعيد ثقتي و قوتي ،فانا كمن تلقي ضربة علي رأسه افقدته توازنه.
• اعتذر يا صديقتي ،لم اقصد مضايقتك ،انا خشيت عليك من التعب.
• لا عليك انت تعلمين جيدا ان لم اتضايق منك..
عادت سلمي الي منزلها تفكر في ما قالته ندي هل ما تفعله حقا هروب ،و هل حقا لا تستطيع تنفيذ ما اتخذت من قرار ،واي قرار سينفذ ، ما اتخذه عقلها ام ستتبع قلبها .ظلت سلمي صامتة لحظة محاولة فض الاشتباك القائم داخلها ،الي ان غرقت في النوم .
مر ثلاث اشهر علي خطبة سلمي ،او علي علاقة سلمي المضطربة قد لا نسميها علاقة لان العلاقة تتطلب طرفين ، وفي حالة سلمي كل شيء كان من طرف واحد ، طرف يتحدث والاخر ينصت، طرف يعطي واخر يستقبل ،طرفان يكمل كل منهم الاخر ،في تلك الاثناء عاشت سلمي اقوي صراع قد تواجهه الا و هو صراعها مع ذاتها ؛صراع بين حبها و كبريائها .فكم تمنت ان ينهي ادم ذلك الصراع بداخلها حتي بكلمة واحدة. لم يتخذ ادم اي خطوة ليحافظ علي بقائها ،ليحافظ علي حبه كما ادعي ، قررت ان تفعل محاولتها الاخيرة ، قررت ان تنهي الحيرة و الشك بداخلها ،قررت ان تسمع صوتها .
بينما سلمي في مكتبها تقلب في بعض الورق دخلت صديقتها ندي :
• صباح الخير يا حضرة المدير
• صباح الخير يا آنسة
ضحك الاثنان ضحكة عالية ثم تابعت ندي حديثها
• اراك اليوم في حال جيد ،واري في عينيك ان حيرتك قد انتهت .
• فعلا قد انتهت .،انها محاولتي الأخيرة.
• ماذا ستفعلين .؟
• سؤالا واحد سأطرحه عليه و علي رده ،اما سيكون بقلبي كل شيء او لا شيء.
بين شوق يود لقائه و كبرياء يرفض رؤياه
نعم اشتاق لكن وضعت كرامتي فوق اشتياقي
ارغب في وصلهم دوما لكن طريق الذل لا تهواه ساقي. ..
شعر احمد شوقي
ذهبت سلمي لرؤية ادم ،كان لابد لهذه الزيارة ان تتم ،حتي تضع نهاية لقصتها. ذهبت متمنية ان يخونها احساسها هذه المرة ، و بمجرد ان رأته اجابت عيناه عن كل أسئلتها ،ظلا ينظران لبعضهما بصمت، قطعه صوت سلمي المتهدج خافية دموعها متظاهرة بالقوة حتي لايري ضعفها :
• انا هنا اليوم ليس لأسئلك عن النهاية لأني اعلمها جيدا. لكن لاطرح عليك سؤلا واحدا:
• اتذكر حين قلت انك لن تضرني فانا لم اضر غريب فكيف اضر من هو مني.
• اذا لماذا سحبت خنجرك و طعنته بقلبي!
ظل ادم صامت لا يبالي لما تقول ، وكأنه يتلذذ بعذابها.
استعدت سلمي للذهاب بعد ان حسم كل شيء ،كادت ان ترحل ولم يمنعها آدم، وصلت للباب لتخرج و لكنها استدارت ناحيته و قالت
• علي كل انا لم اخسر شيء ،انت من خسر الحب ،خسر الاخلاص والصدق . ربما كان اختيار خاطئ ،ربما كنت بارع التمثيل فغالبا ما يكون الصياد اشد مكرا و ذكاءً من الفريسة.
فدائما يتربص و يتلصص لاختيار الوقت المناسب لينقض علي فريسته، بينما تتصرف هي بتلقائيتها ،تحيا بطبيعتها ،بسذاجتها ،غير مدركة لما يدور حولها ،غير مدركة بصائدها ، ترقص و لا تعلم انها ترقص علي الحانه ،تاركة العالم خلفها لترتم بين فكيه مطمئنة ليغرسهما في قلبها ،تلفظ هي انفاسها غير آبه بها ،ليبحث عن فريسة اخري بلحن جديد ،معتزا بتسجيل عدد فرائسه مشبعا غروره ،يا له من انجاز عظيم ،فكم ضحية وقعت في تلك المصيدة و كم من ضحية رقصت علي تلك الالحان!
تابعت سلمي حديثها وقد غلبتها دموعها ،فأخذت تبكي بدموع منهمرة و كأنها امطار الشتا في ليله القارص.
• سمعت عن ضحايا الحب كثيرا و عن غدره ،لكن في مثل حالتي ما ضررني غريب لكن من دمي .
• ضّرني من وثقت به و حسبته ملجئي فغدر بي ،ضرني من احببته عمرا فباعني .
حين رأيتك قلت ما هذا ببشر فانت ملاك تمثل في بشر
وانت حقا من انحني له الشيطان تعجبا
هل يفوق الشيطان بشر
اي قلب هذا الذي تحمل بين اضلعك
ام انك ما تحمل الا حجرا
وربما اشد من الحجر قسوة
فحتي الحجر منه الماء تفجر
فهل يفوق الشيطان بشر
مسحت سلمي دمعها المنهمر رافعة رأسها و قالت :
• سأجعلك داخلي لا شيء ،فحبك الساكن قلبي سيحترق حتي يكون لا شيء ،انت و ذكرياتك ستكون لا شيء .
• فلن اعطيك شرف هزيمتي وانكساري ،و لن اسقط قتيلة حبك ،فليس كل قلب بين انيابك سيتوقف عن النبض ،نعم سيتوقف قلبي عن حبك لكن لن يتوقف عن الحب مهما جرح و مهما نزف ،سيظل الحب بداخلي انهارا .
• فذات يوم يا حبيب العمر ستقف امامي ندما علي ما فات طالبا مسامحتي ،حينها سأسامحك كما انا اليوم سامحتك ،لكن سأغمض عيني لأقول انك حقا لا شيء ،لا شيء.
• سأسامحك ليس لأني ما زلت احبك لا ،لكن حتي استطيع ان اضمد جرحي ،حتي لا يلبس قلبي الوشاح الاسود.
نعم فنحن حين نسامح نتعافى و تسلم قلوبنا من الحقد و الغل ،فالتسامح هو نواة الحب .
فلنسامح و نتغافل حتي نستكمل حياتنا دون معاناة ….

الإدارة

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى