القصة

لص الغرام بقلم: “أمينة أحمد حسن متولى”

الكاتبة: أمينة أحمد حسن متولى
نوع العمل :قصة قصيرة
إسم العمل :لص الغرام
*****************
إستيقظت ورد على صوت العصافير اللتى لطالما إعتبرتها منبهاً لأن يوماً جديدا سعيدا قد بدأ ..
فتحت ستارة النافذة وأخذت نفساً عميقاً ,إستعدت لصلاة الفجر وهى ترتدى إسدالاً خاصاً بالصلاة …
أنهت ورد صلاتها بعد أن أرفقتها بدعوتها الدائمة فى كل صلاة (اللهم احفظ معتصم ورده لى سالماً).
أعدت قدحاً من الشاى وجلست على المنضدة المقابلة للنافذة …
دخلت هدى الأخت الصغيرة لورد..
أراكِ متوردة الخدين اليوم ( قالتها هدى وهى تبتسم)
هذا طبيعى يا أختى أليس إسمى ورد(قالتها ورد ضاحكة)
ولكننى أعتقد أن هناك سبباً آخر (قالتها هدى وهى تغمز بعينيها )
ماذا تقصدين أيتها اللمضة (قالتها ورد وهى تبتسم وترشف رشفة من الشاى )
أليس اليوم هو الخامس من الشهر , موعد وصول خطاباً من معتصم !
بلى هو كذلك إنه أجمل يوم من كل شهر ..يوم تتراقص فيه الفراشات وتغنى العصافير وتتسابق دقات قلبى.
ما كل هذا يا ورد هانم !
هيا يا هدى إذهبى وانتظرى ساعى البريد باقى على موعده ساعة وعشرون دقيقة…
إذهبى أنتِ فأنا لدى الكثير من المزاكرة , أما أنتِ فأنهيتِ دراستك وارتحتِ.
مرت الساعة والعشرون دقيقة…
وقبل أن يرن ساعى البريد جرس الباب فتحت ورد وأطلت بجمالها الطبيعى الخالى من أى مساحيق
أخذت الخطاب وانصرفت ثم سمعت نداء الساعى..
آنسة ورد
نعم
نسيتِ الإمضاء بالإستلام
آسفة >قالتها ورد وهى تمسك بالقلم وتضع إمضائها<
إحتضنت ورد خطابها
ودخلت غرفتها وبدأت تقرأ…
عزيزتى ورد
مر على فراقنا عامان ونصف لم يمر منهما شهر دون أن أرسل لكِ خطاباً
عامان ونصف ذاد بهما شوقى وحنينى وحبى أضعافاً مضاعفة..
أتمنى أن تكونِ بخير…
أشتاق إليكِ كثيراً
قذائف الحرب ما كانت لتهون لولا حبك الذى يجرى فى عروقى
لا يؤنسنى فى ليلى الطويل سوى صورتك المطبوعة على أجفانى
دبلتك اللتى تطوق أصبعى تمدنى بالأمان كم أحلم باليوم الذى تنتهى فيه الحرب وأعود إليكِ لنكمل مشوارنا معا.
أحبكِ
معتصم
أغلقت ورد خطابها وسرحت بخاطرها….
قبل عامان ونصف…
بعد حفل خطوبتهما هى ومعتصم والذى كان أسعد يوم فى حياتها .
وبعد أن تحدد موعد زفافهما .. واشترى لها معتصم فستان الزفاف
بعدها إندلعت الحرب وتدهورت الظروف الإقتصادية للبلاد مما دفع معتصم للسفر للخارج لتوفير فرصة عمل
ولكن بعد سفره اذداد الوضع سوءاً واشتدت الحرب وأغلقت الطرق ومن يومها لم يستطع معتصم العودة.
تنهدت ورد تنهيدة إنتهت بدمعة.
قطع شرودها صوت هدى ..
ما أخبار معتصم ؟ وكيف حاله ؟
هو بخير … أتمنى أن يكون بخير دائماً
لا تقلقى أختى ستنتهى الحرب يوماً وستفتح الطرق ويعود
أتمنى ذلك يا هدى فقد إنفطر قلبى لفراقه.
ما أن انهت قراءة خطابه حتى بدأت تكتب خطابا له…
جلس معتصم يقرأ خطاب ورد والسعادة تتلألأ فى عينيه..
عزيزى معتصم…
لن أخبرك عن مدى إشتياقى لك فهذا شىء لا يمكن وصفه.
ولكن كل ما أستطيع قوله أننى اترقب اليوم الخامس من كل شهر كى أتلقى خطابك
فخطاباتك تسعدنى تبهجنى تنسينى مرارة فراقك تخفف لهيب إشتياقك
تعطينى القوة لأن أعيش بدونك , بدون صوتك , بدون عينيك..
أرى صورتك فى كل شىء حولى
فى ضحكة الأطفال
فى شروق الشمس
فى لمعان القمر
كل شىء ينتظر عودتك كى يحيا
كل شىء يهون حين أقرأ خطاباتك
أبعثرها حولى كل ليلة…
أستمد منها قوتى وصبرى
أستمد منها الدفء فى ليالى الشتاء
استمد منها النسيم فى ليالى الصيف
لا تتأخر فى الكتابة إلى حتى لا يأكل الخريف قلبى.!
أما الربيع فمتوقف لحين عودتك …
سأنتظرك فالأرض متوقفة عن الدوران إلى أن تعود..
ورد
مرت شهور وشهور …..
وساعى البريد يأتى فى الخامس من كل شهر يوصل مراسيل العشاق ..
ولكن لأن الحياة لا تخلو من وسوسة الشيطان…!
فقد أُغرم ساعى البريد بورد !!!!!
تمنى لو تكون له !!!
كان يفتح خطاباتها ويتمنى لو كانت تكتبها له وليس لمعتصم …!
ولكن الحب لا يمكن إختلاسه , لا يمكن سرقته .!
قرر أن يجعلها تنسى معتصم وتكرهه …
ولكن هيهات هيهات ان ينسى المعشوق معشوقه ..
ولأن الخطابات هى وسيلة التواصل الوحيدة
بين العاشقان …قرر ان يوقفها …!
ما بكِ يا ورد تبدين شاردة>قالتها هدى<
مرت عدة شهور ولم يصلنى أى خطاب من معتصم
لا تقلقى .. فالله هو الأعلم بظروفه
أيعقل أن يكون قد نسينى ؟!
هذا مستحيل يا ورد فأنتِ تعرفين كيف يحبك.
يجلس منتصر وسط أصدقائه شاحب اللون
أصبح هزيل وضعيف بشكل ملحوظ
كيف لا .. وهو لا يعرف شيئاً عن معشوقته ..
يأكل القلق قلبه … وتنهش الحيرة عقله.!
ترى ما الذى حدث؟!!!!
أحذ يحدث نفسه قائلاً:
ما الذى حدث لكِ يا وردتى وزهرة أيامى
لا بد أن الذى منعك من الإرسال لى هو أمر خطير
أتمنى أن لا يكون قد أصابكِ مكروه.
كل تلك المدة…
والخطابات تروح وتجىء…
تحوى ما تحوى…
ولا أحد يعلم بمكنونها سوى ساعى البريد .!
والأجدر أن نطلق عليه لص الغرام وليس ساعى البريد!!!!!
خطابات معتصم محتواها الإطمئنان على ورد
فهو وبرغم تلك المدة لم يشك فى حبها له كان واثقاً من أنها لم تنساه
وأن هناك عائق يمنعها من الإرسال إليه..
خطابات ورد محتواها اللوم والعتاب
فقد بدأت تشك فى حب معتصم لها
ظنت أنه نسيها ولا يود أن يرسل لها
مساكين أيها العشاق !!!
فلم ينسى أى منكما الآخر ولكنها الحياة لا تخلو من الشر.!
تحولت ورد من ورد الجميلة المشرقة المتوردة
إلى ورد الهزيلة الضعيفة الباكية طوال الوقت
تبدو شاردة دائماً لا تشعر بشىء من حولها ..
إنطفأت لمعة عينيها ..
فما فائدة العينين إن كان معتصم لن يعود!!
ما فائدة الحياة بأكملها إن لم يشاركها فيها معتصم !!!!!!
لم يكن حال معتصم أفضل من حالها …
فقد تدهورت صحته ..
هجر الطعام والشراب والنوم …
فما حاجته للطعام أو الشراب أو النوم ..ما حاجته للعيش فى عالم يخلو من ورد !!!
قذائف الحرب تمر أمامه كل ثانيه وهو لا يبالى فلم يعد للحياة معنى …
مر عامان والحيرة تأكل قلبيهما…..
أخرجت ورد فستان الزفاف الذى اشتراه اها معتصم منذ أعوام
وأسندت رأسها إليه وسمحت لبركان الدموع بالإنفجار…
أخذت تحدث نفسها بصوت تكسوه الحسرة..
لم يا معتصم ؟!!
ألم تقل أننى أجرى فى عروقك!
ألم تقل أن الحياة بدونى ليست حياة !!
ها أنت قد خذلتنى..!
لقد حطمت أحلامى !!
ثم أكملت وهى تمسح دمعة بدأت فى الظهور على محجريها..
لكننى أيضاً سأنساك..
سأقتلع جزور حبك من قلبى وإن آلمنى ذلك …
كل تلك الدموع والآهات لم ترقق قلب لص الغرام
فكان يقرأ ويقرأ ويقرأ …
ولا يذداد قلبه إلا قسوة..
لقد قرر أن يتقدم لخطبة ورد ويعترف لها بحبه…….
ولكن !!!!!!!!!!!!
قبل أن يُقدم على هذه الخطوة…!
أتى الخطاب الأخير … أو بمعنى أدق … الخطاب المرير …!
قام الساعى بفتحه كالعادة وبدأ يقرأ…
هذا الخطاب إلى الآنسة ورد
فقد أوصانا معتصم >رحمه الله عليه< إن أصابه مكروه أن نرسل إليكِ
ونخبركِ , وأعطانا العنوان.. ربما كان يشعر بأن نهايته تقترب..
أصيب معتصم بقذيفة حرب أودت بحياته..
وكان يردد إسمكِ حتى آخر نفس …
فلقد أحبكِ حباً لايمكن وصفه .
البقاء لله.
شىء ما حدث بداخل ساعى البريد (لص الغرام ) فى تلك اللحظة!!
ربما قد استيقظ ضميره …
ولكن ما الفائدة !!!!
فقد قتل العاشقان
قتل حبهما
قتل أحلامهما
أطفأ مصابيح أمنياتهما ..!
شعر الساعى بالندم الذى لا يُجدى ..!
وقرر أن يعترف بفعلته لورد
حتى لا تظلم معتصم الذى أصبح فى ذمة الله .
ذهب الساعى إلى منزل ورد
وهو يحمل بيده صندوق خشبى صغير يحوى جميع الخطابات الصادرة من ورد
والواردة من معتصم…
تلك الخطابات المقتولة
تلك الخطابات السجينة
تلك الخطابات اللتى أخفاها منذ عامان …
دق جرس الباب…
فتحت هدى…
أما ورد فكانت شاردة باكية لم تفارق دمعتها منذ عامان ..
بدت على وجه هدى السعادة فقد ظنت أن هناك خطاباً جديدا من معتصم
فقد كان قلبها يعتصر حزناً على أختها ..
هناك خطاباً من معتصم ..أليس كذلك >قالتها هدى بسعادة<
أتت ورد عند الباب بمجرد سماعها لإسم معتصم ..
بنما لم يُجِب الساعى بشىء سوى طأطأة رأسه للأسفل
هدى تقف مدهوشة..
ورد تدور بعينيها بينهما كالمجنونة تنتظر أى إجابة تطفىء لهيب عامين من الإنتظار..
ولكنها الحياة !!!
تبعثرنا وتفرقنا كما يبعثر الخريف أوراق الأشجار.!
إعترف ساعى البريد>لص الغرام< بفعلته
وسرد لهم ما حدث بالتفصيل …!
وأخبرهم عن محتوى الخطاب الأخير ..
ما أن أتم كلماته القاتلة .. حتى تلقى صفعة من هدى ..
فقد رأت معاناة أختها طوال تلك الفترة المريرة.!
مجرم مجرم أتدرك حجم فعلتك لقد دمرت حياتهما .!>قالتها هدى باكية العينين<
لم يرد الساعى بأى كلمة فقد أدرك أنه مجرم منذ أن علم بوفاة معتصم..
غادر اللص تاركاً الخطابات عند الباب
هدى أجهشت بالبكاء…
أما ورد …
فقد كانت لاتزال مصعوقة مبرقة العينين..
تنظر يميناً ويساراً تبحث عن أى شىء يثبت لها أن مايحدث الآن ما هو إلا كابوس..
ولكن ….لا فائدة
لاتزال غير مصدقة ما سمعت..!!!!!
أحقاً مات معتصم !
أحقاً لم يعد له وجود !
تمنت فى تلك اللحظة لو ماتت هى قبل أن تسمع نبأ وفاة معتصم
فما معنى الحياة بدونه!!
تمنت لو لم تنشب الحرب
لو لم يسافر معتصم
لو لم يمت ضمير ساعى البريد
لو كانت الدنيا بل شرور
تمنت لو لم يكن لها وجود فى هذه الحياة
هذه الحياة اللتى فرقتهما واعتصرت قلوبهما بلا أدنى رحمة..!
تمنت وتمنت وتمنت….
ولكن لا مجال للأمانى ..فقد انتهى كل شىء.
إنهارت على الأرض واحتضنت الخطابات الحزينة
واحتضنت دبلة معتصم اللتى لم تفارق إصبعها منذ أعوام..
تحشرجت أنفاسها تأبى الخروج
بدأ سيل الدموع فى الإنهمار
ثم دوت صرختها ..
لاااااااااا لااااااااااااااااا لاااااااااااااااا
أين أنت يا معتصم
أين أنت يا حبيب العمر
سامحنى فقد ظلمتك وظننت أنك نسيتنى
يا الله أربط على قلبى فلا أقوى على التحمل
لن أنساك يا معتصم
سأوصد أبواب قلبى على حبك حتى نلتقى
فى عالم يخلو من الشر
يخلو من لصوص الغرام
عالم يفهم معنى الحب .

الإدارة

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى