إشراقات أدبيةالخواطر

سلسلة حديث النفس بقلم: إدريس جوهري . ” روان بفرنسا “

سلسلة : ” حديث النفس ” 🥀❣

بحثت عن الطفل الذي في داخلي
فلم أجد أحدا خرجت من بيتي
أبحث عنه في كل مكان شرقا وغربا
فلم أجد له أثرا كأن الأرض ابتلعته
ما زالت ملابسه مرصوفة في خزانته …
و ألعابه مشتة مبعثرة في كل زوايا
البيت ضاق صدري و زاد قلقي عليه
لم أعد أتحمل اختفائه المفاجئ
طفت العالم السفلي و العلوي
و في بلاد العجائب والغرائب
و بين العوالم و البحار السبعة …
إلى قمم الرواسي الشامخات
الجو شديد البرودة عاصفة ثلجية
تجتاح بقوة عاتية أكاد أتجمد
واقفا على الجبل ….
أرى كوخا سآوي إليه لأحتمي
من قساوة البرد أمسكت مقبض الباب
و أدرته فإذا بالجبال و الثلوج
التي تكسو الطبيعة والأشجار
تحولت إلى مدينة ساحرة الجمال
جمعت شتى المباني العتيقة
و عجائب الدنيا السبع …
منازل راقية تحفة جمالية أخاذة
أروقة ذات طابع معماري شرقي أوروبي
جدران زرقاء بيضاء اللون مع أبواب
نحاسية منقوشة تقليدية قديمة
سوق الحارة تزينت فتحت محلاتها
روائح العطور ممزوجة بالتوابل
والبهارات و اكتست بأحلى الثياب
وأجمل الحلل والستائر و الزرابي
الفارسية كأنها جنة ملأتها الطبيعة
بألوانها و زخرفتها و نقوشاتها …
أتمنى أن أجده هنا فالمكان هادئ
جميل و هو يحب السفر و التجوال
و اكتشاف الجديد و المغامرات
تذكرت حينها حارة طفولتنا مررت
بجانبها فوجدته يلعب مع أصدقائه
في حديقة خضراء كلها أشجار
و ثمار و زهور و طيور …
الشمس ساطعة و السماء صافية
و الكون يعزف شذى الألحان أحلى
النغمات من كل الأصناف و الألوان
كأن أوركسترا موسيقية استعراضية
أقيمت لأجلنا نسمات الهواء العليل
مع قطرات الندى .. حفيف أوراق الشجر
و تغريدات طيور العندليب و الكناري ..
أقبلت عليه في خجل أمشي الهوينى ..
لما رآني جرى نحوي مسرعا فرحا
مسرورا عانقني وقبلني بشدة
صدمت لما رأيته أخرسا لا يتكلم
لكن أفهم إشاراته وحركات شفتيه ..
كم هو لطيف مهذب أنيق في ملبسه
نظيف تفوح منه العطور الزكية
ابتسم وهو يهديني قميصا
لأشاركهم اللعب وأخذ يدي يرسم
عليها قلبا أحمرا بأصبعه …
ثم سرعان ما اختفى نظرت حولي
فلم أجد أحدا حتى المكان تغير كليا …
إنها جزيرة ” الفنتازيا ” خراب
و دمار و ظلام وجدت نفسي
داخل قصر قديم يكسوه السواد
أشجار متساقطة الأوراق
عارية الأغصان حديقة ذبلت أزهارها
تجمدت مياه النافورة …
كلاب ” بيتبول سوداء ” مقيدة بالسلاسل
تحرس و بومة تحدق عينيها
عن كثب أتمشى في فزع
و ذهول و رعب كأني مرغم
على الدخول .. شيء في داخلي
يدفعني للولوج واكتشاف المكان
خفافيش الظلام حولي متدلية
من السقف ترقبني قدماي تأخذني
في الممر أسمع حركات و ضحكات
و جري صبيان كأنهم خيال
من سكنوا هنا يوما و رحلوا ..
سكوت خيم على الأرجاء
لا أصوات تذكر إلا نورا خافتا
يطل من إحدى الغرف …
مهلا إنها تشبه غرفتي
مع بعض الفوارق من حيث الشكل
و اللون فهذه تبدو قديمة و بالية
خشبها تعفن من الرطوبة
حتى مقبضها مكسور قرعت الباب
أستأذن للدخول لم يأتيني جواب
و ما إن خطوت بضع خطوات
إلى الداخل حتى أغلق الباب ورائي
واختفى لم يعد له وجود أثر البتة
أتفقد الحجرة لا أرى أحدا لكن
أحس بوجود شخص معي روح
إنسانية أخرى متواجدة هنا لكن
لازلت لا أراها … اللعنة الرائحة
كريهة مقرفة فوضى عارمة …
حشرات و ديدان و فضلات
في كل جانب أكاد أختنق
أريد فتح نافذة لأستنشق
بعض الهواء … لا توجد نوافذ هنا
فقط جدران إسمنتية سوداء صماء
و لوحات تشكيلية مقلوبة إلى الأسفل
قد بهتت ألوانها ثم صورة بورترية لي
مكسورة مخدوشة .. وأنا شيخ كبير ..
كيف هذا ..؟؟ فأنا لازلت شابا ..؟؟
وماذا يعني تواجدي هنا بين الخراب …؟؟
أدرت ظهري أتفحص لعلي أجد
مخرجا أو فتحة سرية تخرجني
من هنا حتى سمعت بكاءه كادت
تزهق روحي من الهلع والخوف ..
وجدته في زاوية طفل صغير عاري
جالس على الأرض يرتجف من قساوة
البرد قعدت بجانبه نزعت معطفي
لأغطيه حاولت أن أحضنه لتدفئته ..
فأدار ظهره لي يتجاهلني وضعت
يدي على كتفه قبلت رأسه
فأجهش في البكاء يعاتبني
يصرخ في وجهي و يوبخني
لما تركتني وحدي كل هذا الوقت
في غابة النسيان و الحرمان
لا أب يأويني و لا أم ترحمني …
كبرت فأصبحت خيالا لا أراك
إلا في ميلادي تحتفل بالذكرى
و باقي الأيام تنساني تدعي
أننا واحد لكننا اثنان
أنت غريب عني ..
فأنا الأصل و أنت وجهي الفاني
سإمت منك تأتيني لتستأنس بي
و تنسى همومك
كأنني خبيرك النفساني ..
عار عليك من منا
في حاجة لرعاية الأيتام
أناني حسبتك عاقلا متخلقا
متواضعا لكنك ما زلت على عهدك
الماضي مترفا متسيبا مغرورا …
أهكذا كنت في صغري لا تعد إلي
إلا و قلبك صاف من الأنجاس
و الأرجاس .. فأنام في داري
مع أهلي و أحبابي .. و أرجع
نصفك الثاني .. ” م .. ع .. ر .. ف .. ة ..❣..ا .. ل .. ذ .. ا .. ت ”

@ بقلمي/ إدريس جوهري . ” روان بفرنسا ”
20/02/21

الإدارة

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى